. عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك. خذوا صفاء الدنيا وذروا كدرها، فليس الصفو ما عاد كدرا، ولا الكدر ما عاد صفوا. دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم. ظهر الجفاء وقلت العلماء، وعفت السنة وشاعت البدعة. لقد صحبت أقواما ما كانت صحبتهم إلا قرّة العين، وجلاء الصدر. ولقد رأيت أقواما كانوا من حسناتهم أشفق من أن ترد عليهم، منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم عليكم منها. ما لي أسمع حسيسا ولا أرى أنيسا. ذهب الناس وبقي النسناس «١» . لو تكاشفتم ما تدافنتم. تهاديتم الأطباق ولم تتهادوا النصائح. قال إبن الخطاب: رحم الله امرأ أهدى إلينا مساوينا. أعدوا الجواب فإنكم مسؤولون. المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أخذه من قبل ربه. إن هذا الحق قد جهد أهله وحال بينهم وبين شهواتهم، وما يصبر عليه إلا من عرف فضله، ورجا عاقبته. فمن حمد الدنيا ذم الآخرة، وليس يكره لقاء الله إلا مقيم على سخطه. يا ابن آدم، ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال.
وكان إذا قرىء: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ
قال: عم ألهاكم؟! ألهاكم عن دار الخلود، وجنة لا تبيد. هذا والله فضح القوم، وهتك الستر وأبدى العوار «٢» .
تنفق مثل ديتك في شهواتك سرفا، وتمنع في حق الله درهما. ستعلم يا لكع «٣» . الناس ثلاثة: مؤمن، وكافر، ومنافق. فأما المؤمن فقد ألجمه الخوف، ووقمه ذكر العرض. وأما الكافر فقد قمعه السيف، وشرده الخوف، فأذعن بالجزية، وأسمح بالضريبة. وأما المنافق ففي الحجرات والطرقات، يسرون غير ما يعلنون، ويضمرون غير ما يظهرون. فاعتبروا إنكارهم ربهم بأعمالهم الخبيثة. ويلك! قتلت وليه ثم تتمنى عليه جنته!