الفشكرة مبلغه، فقلت له: لم تنزع الزنج ثناياها؟ ولم يحدد ناس منهم أسنانهم؟ فقال: أما أصحاب التحديد فللقتال والنهش، ولأنهم يأكلون لحوم الناس، ومتى حارب ملك ملكا فأخذه أسيرا أو قتيلا أكله، وكذلك إذا قاتل بعضهم بعضا أكل الغالب منهم المغلوب. وأما أصحاب القلع فإنهم قالوا:
نظرنا إلى مقادم أفواه الغنم فكرهنا أن تشبه مقادم أفواهنا مقادم أفواه الغنم، فكم تظنهم- أكرمك الله- فقدوا من المنافع العظام بفقد تلك الثنايا.
وفي هذا كلام يقع في كتاب الحيوان:
وقال أبو الهندي في اللثغ:
سقيت أبا المطرّح إذ أتاني ... وذو الرعثات منتصب يصيح
شرابا تهرب الذبان منه ... ويلثغ حين يشربه الفصيح
وقال محمد بن عمرو الرومي، مولى أمير المؤمنين: قد صحت التجربة وقامت العبرة على أن سقوط جميع الأسنان أصلح في الإبانة عن الحروف، منه إذا سقط أكثرها، وخالف أحد شطريها الشطر الآخر.
وقد رأينا تصديق ذلك في أفواه قوم شاهدهم الناس بعد أن سقطت جميع أسنانهم، وبعد أن بقي منها الثلث أو الربع.
فمن سقطت جميع أسنانه وكان معنى كلامه مفهوما: الوليد بن هشام القحذمي صاحب الأخبار. ومنهم أبو سفيان بن العلاء بن لبيد التغلبي، وكان ذا بيان ولسن.
وكان عبيد الله بن أبي غسان ظريفا يصرف لسانه كيف شاء، وكان الإلحاح على القيء قد برد أسنانه، حتى لا يرى أحد منها شيئا إلا أن تطلع في لحم اللثة، أو في أصول منابت الأسنان.
وكان سفيان بن الأبرد الكلبي كثيرا ما يجمع بين الحار والقار، فتساقطت أسنانه جمع، وكان في ذلك كله خطيبا بينا.