للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: والمشاكلة من جهة الإتفاق في الطبيعة والعادة، ربما كانت أبلغ وأوغل من المشاكلة من جهة الرّحم. نعم حتى تراه أغلب عليه من أخيه لأمه وأبيه. وربما كان أشبه به خلقا وخلقا، وأدبا ومذهبا. فيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى حين حول اسماعيل عربيا أن يكون كما حوّل طبع لسانه إلى لسانهم، وباعده عن لسان العجم، أن يكون أيضا حول سائر غرائزه، وسلخ سائر طبائعه، فنقلها كيف أحب، وركبها كيف شاء. ثم فضله بعد ذلك بما عطاه من الأخلاق المحمودة، واللسان البين، بما لم يخصهم به. فكذلك يخصه من تلك الأخلاق ومن تلك الأشكال بما يفوقهم ويروقهم. فصار بإطلاق اللسان على غير التلقين والترتيب. وبما نقل من طباعه ونقل إليه من طبائعهم، وبالزيادة التي أكرمه الله بها، أشرف شرفا وأكرم كرما.

وقد علمنا أن الخرس والأطفال إذا دخلوا الجنة وحوّلوا في مقادير البالغين، وإلى الكمال والتمام، لا يدخلونها إلا مع الفصاحة بلسان أهل الجنة. ولا يكون ذلك إلا على خلاف الترتيب والتدريج والتعليم والتقويم.

وعلى ذلك المثال كان كلام عيسى بن مريم، صلّى الله عليه وسلّم، في المهد، وإنطاق يحيى عليه السلام بالحكمة صبيا.

وكذلك القول في آدم وحواء عليهما السلام. وقد قلنا في ذئب أهبان بن أوس، وغراب نوح، وهدهد سليمان، وكلام النملة، وحمار عزير «١» ، وكذلك كل شيء أنطقه الله بقدرته، وسخره لمعرفته.

وإنما يمتنع البالغ من المعارف من قبل أمور تعرض من الحوادث، وأمور في أصل تركيب الغريزة. فإذا كفاهم الله تلك الآفات، وحصنهم من تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>