قال المأمون: لنا إختلافان: أحدهما كالإختلاف في الأذان وتكبير الجنائز، والإختلاف في التشهد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق، ووجوه القراءات وإختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك. وليس هذا بإختلاف إنما هو تخيير وتوسعة، وتخفيف من المحنة. فمن أذن مثنى وأقام مثنى لم يؤثم، ومن أذن مثنى وأقام فرادى لم يحوّب «١» ، لا يتعايرون ولا يتعابيون، أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه بتاتا.
والإختلاف الآخر كنحو إختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث عن نبينا، مع إجماعنا على أصل التنزيل، وإتفاقنا على عين الخبر.
فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت من أجله هذا الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والأنجيل متفقا على تأويله، كما يكون متفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع النصارى واليهود إختلاف في شيء من التأويلات.
وينبغي لك أن لا ترجع إلا إلى لغة لا إختلاف في تأويل ألفاظها.
ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو كان كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة، ولم يكن تفاضل، وليس على هذا بنى الله الدنيا.
قال المرتدّ: أشهد أن الله واحد لا ندّ له ولا ولد، وأن المسيح عبده، وإن محمدا صادق، وإنك أمير المؤمنين حقا! فأقبل المأمون على أصحابه فقال: فروا عليه عرضه، ولا تبرّوه في يومه ريثما يعتق إسلامه، كي لا يقول عدوه أنه أسلم رغبة. ولا تنسوا بعد نصيبكم من برّه وتأنيسه ونصرته، والعائدة عليه.