وقد كان أمر اليزيدي «١» بالنظر فيها ليخبره عنها، قال لي: قد كان بعض من يرتضى عقله ويصدّق خبره خبّرنا عن هذه الكتب بأحكام الصنعة وكثرة الفائدة، فقلنا له: قد تربي الصفة على العيان، فلما رأيتها رأيت العيان قد أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفلي على العيان كما أربى العيان على الصفة.
وهذا كتاب لا يحتاج إلى حضور صاحبه، ولا يفتقر إلى المحتجّين عنه، قد جمع استقصاء المعاني، واستيفاء جميع الحقوق، مع اللفظ الجزل، والمخرج السهل، فهو سوقي ملوكي، وعامي خاصي.
ولما دخل عليه المرتدّ الخراساني وقد كان حمله معه من خراسان حتى وافى به العراق، قال له المأمون:
لأن استحييك بحق أحبّ إلي من أن أقتلك بحق، ولأن أقبلك بالبراءة أحب إلي من أن أدفعك بالتهمة، قد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيا، وكنت فيها أتنخ «٢» وأيامك أطول، فاستوحشت مما كنت به آنسا ثم لم تلبث أن رجعت عنا نافرا، فخبرنا عن الشيء الذي أوحشك من الشيء الذي صار آنس لك من ألفك القديم، وأنسك الأول. فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، والمريض من الأطباء يحتاج إلى المشاورة. وإن أخطأك الشفاء ونبا عن دائك الدواء، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة، فإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة. أو ترجع أنت في نفسك إلى الإستبصار والثقة، وتعلم أنك لم تقصر في إجتهاد، ولم تفرط في الدخول في باب الحزم.