قد قلنا في الدلالة بالإشارة. فأما الخط، فمما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضيلة الخط والإنعام بمنافع الكتاب، قوله لنبيه عليه السلام: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ
. وأقسم به في كتابه المنزل، على نبيه المرسل، حيث قال: ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ
، ولذلك قالوا: القلم أحد اللسانين. كما قالوا: قلة العيال أحد اليسارين.
وقالوا: القلم أبقى أثرا، واللسان أكثر هذرا.
وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحض الذهن على تصحيح الكتاب، من استعمال اللسان على تصحيح الكلام.
وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والقلم مطلق في الشاهد والغائب، وهو للغابر الحائن، مثله للقائم الراهن.
والكتاب يقرأ بكل مكان، ويدرس في كل زمان، واللسان لا يعدو سامعه، ولا يتجاوزه إلى غيره.
وأما القول في العقد، وهو الحساب دون اللفظ والخط، فالدليل على فضيلته، وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
. وقال جل وتقدس: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ
. وقال جل وعز: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ
. وقال:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ.
والحساب يشتمل على معان كثيرة ومنافع جليلة، ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز وجل معنى الحساب في الآخرة. وفي عدم اللفظ وفساد الخط والجهل بالعقد فساد جل النعم، وفقدان جمهور المنافع، واختلال كل ما جعله الله عز وجل لنا قواما، ومصلحة ونظاما.