وكان عندنا قاص يقال له أبو موسى كوش، فأخذ يوما في ذكر قصر الدنيا وطول أيام الآخرة، وتصغير شأن الدنيا وتعظيم شأن الآخرة، فقال: هذا الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا، وعليه فضل سنتين! قالوا: وكيف ذاك؟
قال: خمس وعشرون سنة ليل، هو فيها لا يعقل قليلا ولا كثيرا، وخمس سنين قائلة «١» ، وعشرون سنة إما أن يكون صبيا وإما أن يكون معه سكر الشباب فهو لا يعقل. ولا بد من صتحة بالغداة «٢» ، ونعسة بين المغرب والعشاء، وكالغشى الذي يصيب الإنسان مرارا في دهره، وغير ذلك من الآفات. فإذا حصلنا ذلك فقد صح أن الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا، وعليه فضل سنتين! وقال بعض الهلّاك «٣» : دخل فلان على كسرى فقال: أصلحك الله، ما تأمر في كذا كذا؟
وقال رجل من وجوه أهل البصرة: حدثت حادثة أيام الفرس فنادى كسرى: الصلاة جامعة! وقلت لغلامي نفيس: بعثتك إلى السوق في حوائج فاشتريت ما لم آمرك به، وتركت كل ما أمرتك به! قال: يا مولاي، أنا ناقة وليس في ركبتي دماغ! وقال نفيس لغلام لي: الناس ويلك أنت حياء كلهم أقل! يريد: أنت أقل الناس كلهم حياء.
وقلت لنفيس: ابن بريهة هذا الصبي، في أي شيء أسلموه؟ قال: في أصحاب سند نعال. يريد أصحاب النعال السندية.