وقد قال عامر بن عبد قيس:«الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان» .
وقال الحسن رحمه الله، وسمع رجلا يعظ، فلم تقع موعظته بموضع من قلبه، ولم يرق عندها، فقال له:«يا هذا، إن بقلبك لشر أو بقلبي» .
وقال علي بن الحسين بن علي رحمه الله: لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة، وجملة الحال في صواب التبيين، لأعربوا عن كل ما تخلج في صدورهم، ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم. وعلى أن درك ذلك كان لا يعدمهم في الأيام القليلة العدة، والفكرة القصيرة المدة، ولكنهم من بين مغمور بالجهل، ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت، ومصروف بسوء العادة عن فضل التعلم.
وقد جمع محمد بن علي بن الحسين صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال:«صلاح شأن جميع التعايش والتعاشر، ملء مكيال ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل» . فلم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير، ولا حظا في الصلاح لأن الإنسان لا يتغافل إلا عن شيء قد فطن له وعرفه.
وذكر هذه الثلاثة الأخبار إبراهيم بن داحة، عن محمد بن عمير. وذكرها صالح بن علي الأفقم، عن محمد بن عمير. وهؤلاء جميعا من مشايخ الشيع، وكان ابن عمير أغلاهم.
وأخبرني إبراهيم بن السندي، عن علي بن صالح الحاجب، عن العباس ابن محمد قال: قيل لعبد الله بن عباس: أنّى لك هذا العلم؟ قال:«قلب عقول، ولسان سؤول» . وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة.
وعبد الله أولى به منه. والدليل على ذلك قول الحسن: إن أول من عرف بالبصرة ابن عباس، صعد المنبر فقرأ سورة البقرة، ففسرها حرفا حرفا، وكان مثجا يسيل غربا.
المثج: السائل الكثير، وهو من الثجاج. والغرب، ها هنا: الدوام.