هشام بن حسان وغيره، قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد، إن قوما زعموا أنك تذم ابن عباس. قالوا: فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: إن ابن عباس كان من الإسلام بمكان، إن ابن عباس كان من القرآن بمكان، وكان والله له لسان سؤول، وقلب عقول، وكان والله مثجا يسيل غربا.
قالوا: وقال علي بن عبد الله بن عباس: من لم يجد مس الجهل في عقله، وذل المعصية في قلبه، ولم يستبن موضع الخلة في لسانه، عند كلال حده عن حد خصمه، فليس ممن ينزع عن ريبة، ولا يرغب عن حال معجزة، ولا يكترث لفصل ما بين حجة وشبهة.
قالوا: وذكر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، بلاغة بعض أهله فقال: إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله.
وهذا كلام شريف نافع، فاحفظوا لفظه وتدبروا معناه، ثم اعلموا أن المعنى الحقير الفاسد، والدني الساقط، يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ، فإذا ضرب بجرانه ومكن لعروقه، استفحل الفساد وبزل، وتمكن الجهل وقرح «١» ، فعند ذلك يقوى داؤه، ويمتنع دواؤه، لأن اللفظ الهجين الردي، والمستكره الغبي، أعلق باللسان، وآلف للسمع، وأشد التحاما بالقلب من اللفظ النبيه الشريف، والمعنى الرفيع الكريم. ولو جالست الجهال والنوكى، والسخفاء والحمقى، شهرا فقط، لم تنق من أوضار كلامهم، وخبال معانيهم، بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا، لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد التحاما بالطبائع. والإنسان بالتعلم والتكلف، وبطول الاختلاف إلى العلماء، ومدارسة كتب الحكماء، يجود لفظه ويحسن أدبه، وهو لا يحتاج في الجهل إلى أكثر من ترك التعلم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخير.