للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل من أحسّ من نفسه ذلا وضعة، وإنا كما نملك أموركم نملك تأديبكم، فأريدوا منا ما نريده منكم، فإنه أبقى لكم، وإلا قصرناكم كرها، فكان أشدّ عليكم وأعنف بكم.

وقال معاوية لرجل من أهل سبأ: ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! فقال: بل قومك أجهل! قالوا حين دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحق وأراهم البينات: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ

. إلا قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له!! قال: ولما سقطت ثنيتا معاوية لفّ وجهه بعمامة، ثم خرج إلى الناس فقال:

لئن ابتليت لقد ابتلي الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم. ولئن عوقبت لقد عوقب الخاطئون قبلي، وما آمن أن أكون منهم. ولئن سقط عضوان مني لما بقي أكثر. ولو أتى على نفسي لما كان لي عليه خيار، تبارك وتعالى.

فرحم الله عبدا دعا بالعافية، فو الله لئن كان عتب علي بعض خاصتكم لقد كنت حدبا على عامتكم.

ولما بلغت معاوية وفاة الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، دخل عليه ابن عباس فقال له معاوية: آجرك الله أبا عباس في أبي محمد الحسن بن علي! ولم يظهر حزنا، فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون! وغلبه البكاء فردّه ثم قال: لا يسد والله مكانه جفرتك «١» ، ولا يزيد موته في أجلك، والله لقد أصبنا بمن هو أعظم منه فقدا فما ضيعنا الله بعده! فقال له معاوية:

كم كانت سنه؟ قال: مولده أشهر من أن تتعرف سنه! قال: أحسبه ترك أولادا صغارا؟ قال: كلنا كان صغيرا فكبر، ولئن اختار الله لأبي محمد ما عنده، وقبضه إلى رحمته، لقد أبقى الله أبا عبد الله، وفي مثله الخلف الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>