للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدائني قال: قال المنذر بن المنذر، لما حارب غسّان الشام، لأبنه النعمان يوصيه:

إياك واطّراح الإخوان، وإطّراف المعرفة «١» وإياك وملاحاة الملوك، وممازحة السفيه. وعليك بطول الخلوة، والإكثار من السمر. والبس من القشر «٢» ما يزينك في نفسك ومروءتك. واعلم أن جماع الخير كله الحياء فعليك به، فتواضع في نفسك وانخدع في مالك. واعلم أن السكوت عن الأمر الذي يغنيك خير من الكلام، فإذا اضطررت إليه فتحرّ الصدق والإيجاز، تسلم إن شاء الله تعالى.

كلام من عزى بعض الملوك قال: إن الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مما هو كائن. وقد جاء ما لا يردّ، ولا سبيل إلى ردّ ما قد فات، وقد أقام معك ما سيذهب أو ستتركه، فما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سينتقل عنك أو تنقل عنه؟ وقد مضت أصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد ذهاب الأصل، فافضل الأشياء عند المصائب الصبر، وإنما أهل الدنيا سفر لا يحلون الركاب إلا في غيرها.

فما أحسن الشكر عند النعم، والتسليم عند الغير. فاعتبر بمن رأيت من أهل الجزع، فإن رأيت الجزع رد أحدا منهم إلى ثقة من درك فما أولاك به. واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف منها، فأفق فإن المرجع قريب. واعلم انه إنما ابتلاك المنعم، وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر. فإن نسيت الصبر فلا تنس الشكر، وكلّا فلا تدع. واحذر من الغفلة استلاب النعم، وطول الندامة، فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الغنيمة غدا. فاستقبل المصيبة بالحسبة «٣» تستخلف بها نعمى. فإنما نحن في الدنيا غرض ينتصل «٤» فينا بالمنايا، ونهب للمصائب، مع كل جرعة شرق، ومع كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلا بفراق

<<  <  ج: ص:  >  >>