للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان سهل بن هارون شديد الإطناب في وصف المأمون بالبلاغة والجهارة، وبالحلاوة والفخامة، وجودة اللهجة والطلاوة.

وإذا صرنا إلى ذكر ما يحضرنا من تسمية خطباء بني هاشم، وبلغاء رجال القبائل، قلنا في وصفهما على حسب حالهما، والفرق الذي بينهما ولأننا عسى أن نذكر جملة من خطباء الجاهليين والإسلاميين، والبدويين والحضريين، وبعض ما يحضرنا من صفاتهم وأقدارهم ومقاماتهم، وبالله التوفيق.

ثم رجع القول بنا إلى ذكر الإشارة.

وروى أبو شمر «١» عن معمّر أبي الأشعث «٢» ، خلاف القول الأول في الإشارة والحركة عند الخطبة، وعند منازعة الرجال ومناقلة الأكفاء.

وكان أبو شمر إذا نازع لم يحرّك يديه ولا منكبيه، ولم يقلب عينيه، ولم يحرّك رأسه، حتى كأن كلامه إنما يخرج من صدع صخرة. وكان يقضي على صاحب الإشارة بالافتقار إلى ذلك، وبالعجز عن بلوغ إرادته. وكان يقول:

ليس من حق المنطق أن تستعين عليه بغيره، حتى كلمه إبراهيم بن سيار النظام «٣» عند أيوب بن جعفر، فاضطره بالحجة، وبالزيادة في المسألة، حتى حرّك يديه وحل حبوته، وحبا إليه حتى أخذ بيديه. وفي ذلك اليوم انتقل أيوب من قول أبي شمر إلى قول إبراهيم. وكان الذي غرّ أبا شمر وموّه له هذا الرأي، أن أصحابه كانوا يستمعون منه، ويسلمون له ويميلون إليه، ويقبلون كل ما يورده عليهم، ويثبته عندهم، فلما طال عليه توقيرهم له، وترك مجاذبتهم إياه، وخفت مؤونة الكلام عليه- نسي حال منازعة الأكفاء ومجاذبة

<<  <  ج: ص:  >  >>