للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوسع، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [العنكبوت: ٦٩].

والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرء نفسه مرة، أو مرتين، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت؛ ذلك أن المجاهدة عبادة، والله تعالى يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر: ٩٩].

تنبيه: العزم الأكيد على جهاد النفس لا يعني أن ينقض على النفس انقضاضًا حتى تتخلى عن جميع الصفات المذمومة، وتتحلى بالخصال المحمودة دفعة واحدة، فإن هذا مخالف لطبيعة البشر، وبخاصة أن كثيرًا من العادات والأفعال السيئة عندما يمارسها الإنسان مدة طويلة من الزمن، فإنها تصبح ثابتة في النفس مستقرة فيها، فلا بد من إرادة قوية، وجهد متواصل، وتدريب متكرر حتى تتخلى عنها، وتتحول من الشغف والتعلق بها إلى النفور منها والكراهية لها.

وأقربُ مثالِ لذلك الطفل الرضيع الذي اشتد تعلقه بالرضاعة، فلو أرادت أمه أن تفطمه دفعةً واحدةً، فإنها لن تتمكن من ذلك، وسيزداد تعلق طفلها بالرضاعة وتشوقه إليها، والاْسلوب الصحيح أنْ تحاول الأم بالتدرج وبمختلف الوسائل صرف الطفل عن هذا التعلق الشديد، وإِيجاد البديل الذي يستغني به عن الرضاعة، فإذا انفطم، كره أن يعود للرضاعة مرة ثانية ونفر منها.

والنفسُ كالطفلِ إن تهمله شبَّ على ... حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم

وبهذا الأسلوب حرم الله سبحانه الخمر والربا، فتحطيمُ العاداتِ السيئة

<<  <   >  >>