"عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: الميت يقمص" أي يلبس القميص، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وزاد:"ويعمم"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كسا عبد الله بن أُبي قميصه، كساه قميصه، هذه حجة من يقول: بأن الميت يكفن في قميص، وزاد علي ذلك قال: ويعمم، وفي الحديث الصحيح: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة أثواب -كما تقدم- ليس فيها قميص ولا عمامة، أما يعمم هذه من يعرف لها أصل؟ يعني إذا عرفنا أن للقميص أصلاً فكيف بالعمامة؟ "يقمص ويؤزر" أي يجعل له إزار "ويلف في الثوب الثالث، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه" يكفن في ثوب واحد، ولا ينتظر بدفنه ارتقاب شيء آخر، إذ الواجب ما يستر بدن الميت اتفاقاً، يكفي واحد، لكن الأكمل ثلاثة، إلا ثوب واحد كفن فيه يقول الباجي: يريد أنما ذكر أولاً هو المستحب يعني الثلاثة هو المستحب، يريد أنما ذكر أولاً يعني مالك هو المستحب عنده لمن وجد فإن لم يجد إلا ثوباً واحداً اجتزأ به، والأصل في ذلك ما روى عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قتل مصعب بن عمير وكان خيراً مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا برده، وفي البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، انفتاح الدنيا يعني ليس بخير من كل وجه، لا شك أنها نِعم، لكن قليل من عبادي الشكور، النعم تحتاج إلى شكر، فإذا لم تشكر تحولت إلى نقم، وصار العدم خيراً منها، الصحابة الذين تقدمت وفياتهم قبل الانفتاح، قبل الفتوح هولاء وفرت لهم أجورهم، وهذا عبد الرحمن بن عوف يقول: مصعب خير مني، عبد الرحمن مشهود له بالجنة، خير مني، يعني وفر له أجره بكماله، ما نقص منه شيء، لا شك أن توافر هذه النِعم خير، لكن يبقى أنها إن شكرت بهذا القيد وإلا تحولت إلى نقم، والواقع يشهد بذلك كثير من الناس لما استغنوا طغوا {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(٦ - ٧) سورة العلق] هذا هو الغالب، وعلى كل حال لمن شكر نعم المال الصالح للرجل الصالح.