يقول الصحابي -رضي الله تعالى عنه-: "إننا عشنا في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودخلنا في الإسلام على شيء من الشدة، فأينعت هذه الدنيا لنا، فصرنا نهدبها، يعني نقطفها، فمنا من مات ولم يستوف من حقه شيئاً، مصعب بن عمير مات ولديه قطعة كُفن فيها إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، هؤلاء ما استوفوا من دنياهم شيء، وادخر ووفر لهم الأجر كامل يوم القيامة، لكن من اقتصر على المباحات الطيبات التي أحلها الله له -جل وعلا-، لا شك أن من صبر على الشدائد أفضل بخلاف من استوفى شيئاً من حقه بدنياه، لكن يبقى أن من لم يتعد الحلال ولم يتجاوزه هذا على خير -إن شاء الله تعالى-، لا سيما إذا شكر هذه النعم، والخلاف بين أهل العلم في الفقير الصابر والغني الشاكر معروف عند أهل العلم، منهم من يرجح الغني الشاكر لحديث:((ذهب أهل الدثور بالأجور)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أرشدهم إلى الذكر، فسمع الأغنياء هذا التوجيه فصاروا يذكرون الله -جل وعلا-، إضافة إلى ما يتصدقون به من هذه الدثور، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) وفضل الشاكر على الصابر بهذا، ومنهم من يقول: الصابر أفضل، وقد جاء في مدح الفقر نصوص، منها أن الفقير يدخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، أو بمائة وعشرين عام، وفي رواية: بأربعين عاماً، وكلها مصححة عند أهل العلم، والجمع بينها أن الفقر والغنى أمور نسبية، فبين أفقر الناس وأغنى الناس كم؟ خمسمائة، فمن دون الأغنى ومن دون الأفقر بينهما مائة وعشرين وهكذا.
شيخ الإسلام يرى أن مثل هذه الأوصاف العارضة لا يفضل بها، وإنما التمايز والتفاضل إنما هو بالتقوى، إن كان الغني الشاكر أتقى لله -جل وعلا- من الفقير الصابر فهو أفضل، وإن كان الفقير الصابر أتقى لله -جل وعلا-، وأخشى له من الغني الشاكر كان أفضل، نعم.