قال:"وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد" يعني على عادته، أكثر مقامه -عليه الصلاة والسلام- في المسجد "فدخل رجل ثائر الرأس واللحية" شعث، كل شيء منتفش "فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده أن اخرج" إشارة مفهمة للمراد، كأنه يعني إصلاح، كأنه أشار إلى شيء من الشعر، أما مجرد الإخراج لأنه دخل هذا ما يكفي، يعني لو دخل ثائر الرأس، ويطرد من المسجد ما يطرد، إلا لإصلاح حاله، فكأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته "ففعل الرجل" يعني فهم المراد "ثم رجع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس هذا)) " يعني بعدما أصلح نفسه " ((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟ )) " يعني يمثل بالشيطان ولو لم يرَ، {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [(٦٥) سورة الصافات] يمثل بها القبيح ولو لم تر، كما أن الجميل المستحسن يمثل بالملك ولو لم ير.
سم.
أحسن الله إليك.
[باب ما جاء في صبغ الشعر:]
حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ".
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي.
قال: وترك الصبغ كله واسع -إن شاء الله-، ليس على الناس في ذلك ضيق.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصبغ، ولو صبغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود.
قال -رحمه الله تعالى-:
[باب ما جاء في صبغ الشعر:]
الشعر كما هو معلوم في أول الأمر يخرج أسود، ثم بعد ذلك يتغير إلى البياض شيئاً فشيئاً حتى يكون أبيض خالص.