قال -رحمه الله-: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لي جمة" الجمة هي الشعر ينزل حتى يصل إلى المنكبين "إن لي جمة، أفأرجلها؟ " يعني أسرحها "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، وأكرمها)) " يعني ما يكفي أنك مجرد تسرح وترجل وتتركها شعثة بعد الترجيل، الترجيل يحتاج إلى دهن، ويحتاج إلى ملاحظة، ورش بالماء ليزول الغبار، ويزول الشعث "قال: ((نعم، وأكرمها)) قال: فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين" استجابة لقوله: ((وأكرمها)) نعم ربما دهنها في اليوم مرتين، لما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأكرمها)).
المسلم عليه أن يتوسط في أموره كلها، فلا إفراط ولا تفريط، لا يترك نفسه بحيث يستقذر في شكله، في هيئته، في ملبسه، في مسكنه، ولا يبالغ في ذلك بحيث يكون وقته كله لهذه الأمور، أو جهده، أو ماله يصرف في مثل هذه الأمور، بل عليه أن يتوسط في أموره، والفقهاء ينصون على أن الادهان يكون غباً، يعني يوم بعد يوم؛ لأنه لو ادهن في كل يوم هذا يحتاج إلى وقت، والمسلم الحازم الفطن الكيس ينبغي أن ينصرف بكليته إلى ما خلق من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك يلتفت إلى أمر دنياه.
فكان أبو قتادة ربما دهن في اليوم مرتين؛ لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له:((وأكرمها)) يعني استجابة، {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ} [(٢٤) سورة الأنفال] فهذا من الاستجابة، لكن صرف الوقت الطويل؛ لأن بعض الناس في وقتنا هذا يسرفون في مثل هذه الأمور، تجد أكثر وقته أمام المرآة، هذه شعرة طالعة، وهذه نازلة، وهذا الشماغ مايل، وهذا ما أدري إيش؟ وتجده وهو في طريقه إلى عمله، أو فيما إذا خرج من البيت يقف، وينظر في نفسه تجد هذا موجود بكثرة، يعني عند الشباب، وهو مار بسيارة يقف أمام مرآتها ويوضب أموره ويناظر شماغه، فضلاً عن كونه يجلس في صالونه في بيته الساعة والساعتين هذا ليس من شأن المسلم، وما خلق المسلم من أجل هذا، يعني خلق لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، لكن أيضاً لا تنس نصيبك من الدنيا، بحيث لا تستقذر، ولا تكن أيضاً همك مثل هذا.