قد يقول قائل: لماذا لا نطرد مثل هذا؟ ونشوف هؤلاء التجار الذين يكسبون الأموال الطائلة بمكالمة، مكالمة يفتح مساهمة بالتليفون، بإعلان في صحيفة، ويكسب من ورائها الملايين، لماذا لا نكلفه أكثر من العشر؛ لأن الركاز يحتاج إلى حفر، أشد من الإعلان وما في حكمه؟ يقول: زكاتها النصف هذا، يمكن أن نقول هذا؟ لا يمكن؛ لأن مثل هذه الأمور لا تنضبط، أما ما يمكن ضبطه فقد جاء به الشرع، أما ما لا ينضبط ما يمكن أن يعول عليه في حكم مخالف.
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولونه: إن الركاز إنما هو دفن" دفن يعني مدفون، كذبح بمعنى مذبوح "دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ينفق على إخراجه" يعني لو قيل له، أو توقع أن في هذه الأرض أو في هذه الغرفة مثلاً كنز، أو جاء بالعمال وقال: احفروا لي إن لقينا شيء وإلا أعطيتكم الأجرة، وصاروا يحفرون وتعبوا على هذا تعباً شديداً، ثم وجدوه.
يقول:"ما لم يطلب بمال ينفق على إخراجه" لأنه يكون فيه كلفة وتعب، فيكون المطلوب منه أقل من الخمس على القاعدة.
"ولم يتكلف فيه نفقة، ولا كبير عمل ولا مئونة" إذا انتفت هذه الأمور ففيه الخمس، كما في الحديث "فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة" مرة يجد ومرة لا يجد "وأخطئ مرة فليس بركاز".
يقول ابن دقيق العيد: من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقاً، أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث، وخصه الشافعي بالذهب والفضة، وقال الجمهور: لا يختص، اختلفوا في مصرفه قال مالك وأبو حنيفة والجمهور: مصرفه مصرف خمس الفيء، يعني ليس بزكاة، كأنه من الفيء، والفيء غير الغنيمة الذي يحصل عليه من مال العدو من غير إيجاف، من غير قتال، مصرفه مصرف خمس الفيء.
وقال الشافعي في أصح قوليه: مصرفه مصرف الزكاة، يعني هل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((في الركاز الخمس)) يعني زكاة، وإلا أنه مثل الفيء يخمس {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(٤١) سورة الأنفال] نعم.
وعن أحمد: روايتان، يعني رواية تقول: بأن مصرفه مصرف الزكاة، والرواية الأخرى مثل قول الجمهور.