وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه كذا في رواية يحيى وجميع أصحاب مالك يروونه كما في البخاري عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمر الأسلمي، أما السياق الذي معنا عن أبيه عن حمزة مرسل؛ لأن عروة يحكي قصة لم يشهدها، عروة تابعي، فهو يحكي ويروي قصة لم يشهدها، هذا إرسال، لكن إذا رواها عن خالته عائشة اتصلت القصة، وفي بعض طرق الحديث روايته عن صاحبها عن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله إني رجل أصوم" في رواية للبخاري: "إني أسرد الصوم" وفي رواية: "وكان كثير الصيام""إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ " فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) والمشيئة هذه لا شك أنها بناءً على الأصل في الحكم، وأن المسافر يجوز له أن يصوم، ويجوز له أن يفطر؛ لكن إن اعترى هذا الأصل ما يرجح الصيام، فالأفضل الصيام، وإن اعتراه ما يرجح الفطر ترجح الفطر، وإن زادت المشقة تعين الفطر على التفصيل السابق.
يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر؛ لأنه يرى أن الفطر عزيمة، وجاء وصف من استمر في صيامه بالعصيان، وجاء أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس من البر الصيام في السفر)) كل هذه جعلت ابن عمر لا يصوم في السفر، مع حرصه على الخير، وتحريه للاقتداء والإتساء، ومع ذلك كان لا يصوم في السفر.
يروى هذا عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان لا يصوم في السفر، يروى أيضاً عن أبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، ومعروف عن أهل الظاهر أو عن بعضهم أن الصوم في السفر لا يجزئ ولا يصح، بل يتعين الفطر، وأسلفنا أنهم استدلوا بقوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(١٨٤) سورة البقرة] يعني فالواجب عدة، صام أو أفطر، والجمهور يقدرون قبل ذلك فأفطر فعدة، يعني فيلزمه عدة.