والمراد بالوصال أن يصوم أياماً متتابعة من غير أن يتخللها فطر في الليل، فيمسك عن الأكل والشرب والجماع في الليل والنهار أكثر من يوم، يومين أو ثلاثة أو أربعة، والوصال يعارض سنن منها: الأمر بتعجيل الفطر، والتأكيد على السحور، وأنه مندوب، وأنه فرق بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحر، ومنها: أنه يعين على الطاعة، ويترتب عليه مخالفات كثيرة عن الوصال، ولذا نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والنهي عند الجمهور للكراهة، وحمله الشافعي على التحريم، وهو الأصل، الأصل في النهي التحريم؛ لكن يستدل من حمله على الكراهة بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، لما قالوا له: إنك تواصل، واصل بهم اليوم الأول والثاني، ثم بعد ذلك رؤي الهلال، ولو لم ير الهلال لاستمر، كالمنكل بهم، ولو كان الوصال محرماً لما نكل بهم بالمحرم، لو كان الوصال محرم ما نكل بهم بالمحرم؛ لأن الإنسان إذا فعل شيئاً يستحق عليه العقاب ما يعاقب بمحرم، هذه حجة الجمهور في صرفهم النهي من التحريم إلى الكراهة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال فقالوا: يا رسول الله فإنك تواصل، (فقالوا) لم ترد التسمية في شيء من طرق الحديث لهؤلاء القائلين؛ لكن هل من الأدب أن يقال: يا رسول الله إنك تواصل؟ بعد أن نهى عن الوصال؟ يعني قال:((لا تواصلوا)) قالوا: أنت تواصل، أو أن هذا من باب الحرص على الخير، والاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: يا رسول الله فإنك تواصل، قال:((إني لست كهيئتكم)) يعني ليس حالي كحالكم، ولست مثلكم، إني أطعم وأسقى.