للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وحدثني زياد عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أري أعمار الناس قبله" أراه الله -جل وعلا- أعمار الناس من الأمم السابقة "أو ما شاء الله من ذلك" رأى بعضهم، من يعيش خمسمائة سنة، ستمائة سنة، سبعمائة سنة، ألف سنة، أكثر، أقل "فكأنه -عليه الصلاة والسلام- تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الصالح" لأن طول المدة يمكن الإنسان من كثرة العمل، لكنه ليس بخير على كل حال؛ لأن الإنسان قد يعيش عشرين ثلاثين سنة، ويعمل فيها من الأعمال الصالحة ما لا يبلغه من عاش مائة سنة، وقد يعيش الإنسان مائة سنة ويؤخر لمعاصي وفتن وغير ذلك، فلا يكون من مصلحته أن يؤخر، فالعمر لا شك أنه مع استغلاله بالأعمال الصالحة إذا طال فهو أفضل وأحسن، ((خيركم من طال عمره وحسن عمله)) بخلاف من طال عمره وساء عمله "فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل -يعني الصالح- مثلما بلغ غيرهم من طول العمر لقصر أعمارهم، إذا أعمار هذه الأمة من الستين إلى السبعين، وقليل من يجاوز ذلك، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر" خير من ألف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، أو ستة أشهر، في ليلة واحدة فضل الله -جل وعلا- لا يحد.

قال ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي لا توجد في غير الموطأ لا مسندة ولا مرسلة، وابن عبد البر وصل جميع المقطوعات في الموطأ إلا هذه الأحاديث الأربعة، هذا الحديث: أري أعمار الناس قبله، وحديث: ((إني لأنسى، أو أنسى لأسن)) والثالث: ((إذا أنشأت بحرية)) تقدم هذا، والرابع قوله لمعاذ: ((حسن خلقك للناس)) قال: وليس منها حديث منكر، ولا ما يدفعه أصل.

"وحدثني زياد عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها" أخذ بنصيبه من ليلة القدر، إذا صلى العشاء مع الجماعة، يعني إذا حضرها مع الجماعة أخذ بنصيبه من ليلة القدر؛ لأنه صح أنه صلى في ليلة القدر، ((ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) فأخذ نصيبه منها، منها يعني من ثوابها المنوه به في القرآن والسنة.