مرها فلتغتسل؟ هذه المسألة ذكرناها مراراً أنه يرد الأمر الصريح الذي لا نقف على صارف له، ومع ذلك الأئمة الأربعة وأتباعهم يحملونه على الاستحباب، ومثله النهي الصريح الصحيح الذي الأصل فيه التحريم، ولا يوقف له على صارف، ومع ذلك عامة أهل العلم على الاستحباب، ولا يقول بالوجوب إلا أهل الظاهر، فهل نقول بمقتضى الدليل، وإن خالفنا عامة أهل العلم، أو نقول: إن عامة أهل العلم ما عدلوا عن الوجوب إلى الاستحباب أو من التحريم إلى الكراهة إلا لصارف لعلنا قصرنا في البحث عنه، أو قصرت همتنا عنه، يعني ما فهمناه، لأمر لم نفهمه أو لم نقف عليه؟ وعلى كل حال هيبة عامة أهل العلم لا بد أن تكون في ذهن طالب العلم، وأنه لا يقدم إلا بأمر لا يستطيع دفعه، وإن كان الأصل والعمدة عند العامة والخاصة الدليل فهل نقول: إنهم وقفوا على صارف قصرنا في البحث عنه، أو لم نقف عليه، أو لم يصلنا؟ أو نقول: الأصل الوجوب ولا صارف ولا علينا من عامة ولا خاصة؟ بالنسبة للصارف هنا:((مرها فلتغتسل)) هل نقول: إن هذا مثلاً غسل تعبدي لا يعقل له علة، وأن الحدث باق لن يرفع حدث هذا الغسل، فوجوده شبه العدم، وأثره ضعيف، ولولا الأمر الشرعي به كان ما له أثر، نعم، لولا الأمر الشرعي ((مرها فلتغتسل)) ما له أثر، فمثل هذا قد يعتبرونه صارف عندهم، لكن افترض أن المسألة لا صارف لها بوجه من الوجوه، ولم نقف بعد طول البحث، هل الإنسان -لا سيما طالب العلم المتأهل للنظر في الأدلة المطلع- هل له أن يتخطى عامة أهل العلم، ويفتي بمقتضى الدليل؟ أو نقول: ما حمله وصرفه أهل العلم ومن يعتد بقوله من أهل العلم إلا لوجود صارف ولو لم يطلع عليه؟ وهذه مسألة لا بد من اعتبارها، أقول: هذه مسألة يحتاجها طلاب العلم، كثير من المسائل من مثل هذا، تجد أمر صريح صحيح ما فيه أدنى إشكال، وتبحث عن صارف لا تجد، لكن تفاجئ أن عامة أهل العلم على أنه استحباب، ولا شك أن الأمر كما يرد للوجوب يرد للاستحباب، لكن الأصل فيه للوجوب.