وبعضهم استنبط من هذا الظرف الذي جاء فيه هذا الأمر أن هذا الأمر خاص بالصحابة، وأن من أهل بشيء لزمه إتمامه، ولا تغير النية بعد ذلك، فمن أهل بالحج لا يجوز له أن يقلبه إلى عمرة، من كان قارناً ولم يسق الهدي لم يجز له أن يحوله إلى عمرة، نعم؛ لأنه لحظ الظرف الذي جاء فيه هذا الأمر، واضح وإلا ما هو بواضح، يعني هذا الظرف لا شك أنه احتف بهذا الأمر، فمن أهل العلم من قال، يعني أوغل في إدخال الظرف في الحكم، فقال: إن قلب الإحرام من حج إلى عمرة خاص بالصحابة تلك السنة لتزول الشبهة فقط، وإلا من أحرم بنسك لزمه إتمامه، ومنهم من قال: هذا الأمر بغض النظر عما احتف به يدل على وجوب التمتع، والقول الوسط في هذه المسألة أن هذا الظرف معتبر، لكن لا يختص بهم، فيرجح التمتع على غيره للأمر به، ويكون الظرف الذي احتف بهذه القصة صارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
يقول: يحمل هذا على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوه الإحرام في الميقات، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج، لكن هذه الشبه ما زالت تراود بعضهم حتى أمرهم بقلب الإحرام إلى عمرة، وهذا متى؟ بعد أن طافوا بالبيت، وبهذا الأسلوب تزول الشبهة.
لما توقفوا أو صار في أنفسهم شيء من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يعظمون فيه غير الله -جل وعلا-، سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- ونزل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(١٥٨) سورة البقرة] يعني الإثم الذي يجدونه في نفوسهم مرتفع، نعم، "فمنا من أهل بعمرة" يعني فقط، وهذا هو المتمتع بأن يهل بعمرة، وهذا إذا لم يسق الهدي ترجح في حقه أن يهل بعمرة، ثم يفرغ من أعمالها بالطواف والسعي والتقصير، ثم يحل له كل شيء، فإذا جاء يوم التروية أهل بالحج، وأكمل أعماله.