للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سألت عمرة بنت عبد الرحمن عن الذي يبعث بهديه ويقيم هل يحرم عليه شيء؟ فأخبرتني أنها سمعت عائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: "لا يحرم إلا من أهل ولبى".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلاً متجرداً بالعراق فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- فذكرت له ذلك فقال: "بدعة ورب الكعبة".

وسئل مالك -عفا الله عنه- عمن خرج بهدي لنفسه فأشعره وقلده بذي الحليفة ولم يحرم هو حتى جاء الجحفة، قال: "لا أحب ذلك، ولم يصب من فعله، ولا ينبغي أن يقلد الهدي ولا يشعره إلا عند الإهلال إلا رجل لا يريد الحج، فيبعث به ويقيم في أهله".

وسئل مالك: هل يخرج بالهدي غير محرم؟ فقال: نعم لا بأس بذلك.

وسئل أيضاً عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي ممن لا يريد الحج ولا العمرة، فقال: الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك قول عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بهديه ثم أقام فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نُحر هديه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي" هذه الترجمة ذكرها المؤلف لأنه وجد من يقول: إن من بعث الهدي حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، ولعل عمدته في ذلك عموم قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(١٩٦) سورة البقرة] فشمل الهدي على عمومه بما في ذلك المستحب، ومن لم يدخل في النسك، وبهذا يقول ابن عباس على ما سيأتي، فمجرد تقليد الهدي وبعث الهدي إلى البيت لا يترتب عليه الامتناع، وأنه لا يشبه الدخول في النسك، كما أنه لا يشبه الأضحية، فلا يمسك عن شيء كما منع من أراد أن يضحي أن يمس من شعره ولا من بشره شيئاً، فالذي يبعث الهدي لا شيء يمسك عنه.