حينما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقطع الخفين في المدينة لمن لا يجد النعلين، ((وليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا مقيد بالقطع، وفي عرفة بعد ذلك وقد شهدها من لم يشهد ما قاله -عليه الصلاة والسلام- من لم يحضر قوله -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، جاء بلفظ مطلق:((من لم يجد النعلين فليلبس الخف)) فهل نقول: بالقطع أو نقول: بالإطلاق؟ وحينئذٍ يكون القطع منسوخ، عندنا مطلق ومقيد، لكن المقيد متقدم على المطلق، يعني هل قاعدة حمل المطلق على المقيد في جميع الصور ولو تقدم المقيد؟ حمل العام على الخاص في جميع الصور، ومثله ما عندنا، الصارف والمصروف، نقول في مثل هذه المسائل وإن كان التقعيد عند الجمهور لا ينظر إلى التقدم والتأخر إلا أنه في فروع المسائل قد يلجئون إلى مثل هذا الكلام، لا يختلف الحنابلة عن غيرهم في حمل المطلق على المقيد في مثل قطع الخف إذا لم نعرف تاريخ، لكن الآن عرفنا التاريخ، الأمر بالقطع في المدينة قبل خروجه -عليه الصلاة والسلام- منها، وعدم ذكر القطع بعرفة بعد ذلك، يعني لو لم نعرف التاريخ لقلنا: يحمل المطلق على المقيد على الجادة؛ للاتحاد في الحكم والسبب، لكن عرفنا المتقدم والمتأخر، ولذا اختلف الأئمة في القطع، هل يقطع الخف أو لا يقطع؟ حتى عند من يقول بحمل المطلق على المقيد، بل لا أعرف من يخالف لو لم نعرف التاريخ في مثل هذه الصورة؛ لأنه اتحد الحكم والسبب، فإذا اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد بالاتفاق، لكن الآن وجد خلاف، لماذا وجد خلاف؟ لتأخر المطلق، لتأخر المطلق وجد الخلاف، فيرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من القطع، وآخرون يقولون: لا ما يحتاج إلى القطع، طيب ما يحمل المطلق على المقيد؟ قالوا: لا، لو وجد التقييد لما جاء النص المطلق متأخر بحيث شهده من لم يشهد ولم يحضر النص المقيد، الآن ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟