قال مالك -رحمه الله تعالى- في قول عمر بن الخطاب: فإن آخر النسك الطواف بالبيت: إن ذلك فيما نرى -والله أعلم- لقول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(٣٢) سورة الحج] وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(٣٣) سورة الحج] فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- رد رجلاً من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال:"من أفاض فقد قضى الله حجه، فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه".
قال مالك: ولو أن رجلاً جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أرَ عليه شيئاً إلا أن يكون قريباً فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: وداع البيت" وداع البيت والوداع والتوديع يراد به ما يفعله المسافر في آخر أمره قبل سفره من توديع أهله ومحبيه هذا يسمى وداع، ويسمى توديع، ومثله ما يفعله الحاج إذا أراد الانصراف، وقد جاء الأمر به، فلا ينصرف حتى يكون آخر عهده بالبيت، جاء الأمر بالوداع، والوداع مرتبط بالحج؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر به في الحج، واعتمر مراراً ولم يأمر بالوداع، وهو من أعمال الحج، وليس للعمرة وداع، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- اعتمرت بعد الحج ولم يحفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرها بالوداع، فالمرجح أن العمرة لا وداع لها، وإنما الوداع للحج.
يقول:"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: "لا يصدرن أحد من الحاج" هذا يدل على أن الوداع للحج، لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، يعني حتى يكون آخر عهده بالبيت، والمراد آخر عهده بالبيت الطواف، ليس معنى أن يكون آخر عهده بالمسجد، ولذا فرق بين تحية المسجد وتحية البيت، تحية المسجد الركعتان، تحية البيت الطواف، وعلى هذا يكون وداع البيت بالصلاة؟ لا، بالطواف، وداعه بالطواف.