قال: وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
[باب: العمل في غسل الشهيد]
في غسل الشهيد ذكرنا في درس مضى أن الشهداء منهم من تثبت له الأحكام كلها في الدنيا والآخرة، ومنهم من تثبت له أحكام الدنيا دون الآخرة، ومنهم العكس.
عمر -رضي الله عنه- شهيد، قتل شهيداً، ومع ذلك غسل وكفن وصلي عليه، فأحكام الدنيا لا تثبت لمثل عمر، وإن ثبتت له الشهادة في الآخرة، لماذا؟ لأنه عاش بعد طعنه، عاش فإذا عاش المقتول فإنه حينئذٍ لا يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ومنهم من يقول: إن القتل وإن كان شهادة في مثل الصورة التي قتل فيها عمر إلا أن المراد بالشهيد الذي جاءت به النصوص وأن له أحكام في الدنيا تخصه إنما هو من قتل في سبيل الله، في ساحة القتال، والقتال يبدأ من خروجه من منزله إلى دخوله إليه، فذهابه جهاد، ورجوعه جهاد.
قال:"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله".
قال:"وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" هذه أحكام الشهيد في الدنيا، لا يغسلون، كما فعل بشهداء أحد، لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم، قد يقول قائل: حنظلة يقال له: الغسيل، غسلته الملائكة وهو شهيد، لماذا؟ لأنه كان جنباً.
"ولا يصلى على أحد منهم" النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت في الحديث الصحيح أنه في آخر حياته صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين، صلى عليهم كالمودع لهم، فمن يقول بأن الشهيد يصلى عليه، قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على شهداء أحد وهذا ناسخ، ومنهم من يقول: لا يصلى عليه مطلقاً، وعدم الصلاة عليه محكم، يقول: إن الصلاة على شهداء أحد إنما هي صلاة لغوية مرهم ودعا لهم.
"ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثوبيه، والشهيد إذا مات وأثر الشهادة على ثيابه يدفن فيها.