الدليل السابع: ما صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس, وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا خير فيه, تلك ورق بورق، رواه سعيد وغيره, ومعنى كلامه أنك إذا قومت السلعة بنقد ثم بعتها بنسيئة كان مقصود المشتري شراء دراهم معجلة بدراهم مؤجلة, وإذا قومتها بنقد ثم بعتها به فلا بأس، فإن ذلك بيع المقصود منه السلعة لا الربا.
الدليل الثامن: ما رواه ابن بطة عن الأوزاعي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع)) يعني العينة, وهذا وإن كان مرسلاً فهو صالح للاعتضاد به، لا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده، ويشهد له أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)) وقوله أيضاً فيما رواه إبراهيم الحربي من حديث أبي ثعلبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((أول دينكم نبوة ورحمة، ثم خلافة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض، يستحل فيه الحر والحرير)) والحر بكسر الحاء وتخفيف الراء هو الفرج, فهذا إخبار عن استحلال المحارم، ولكنه بتغيير أسمائها وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها, وهي الربا والخمر والزنا فيسمى كل منها بغير اسمها، ويستباح الاسم الذي سمي به, وقد وقعت الثلاثة, وفي قول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت دليل على بطلان العقدين معاً, وهذا هو الصحيح من المذهب؛ لأن الثاني عقد ربا، والأول وسيلة إليه, وفي قول آخر في المذهب أن العقد الأول صحيح؛ لأنه تم بأركانه وشروطه، فطريان الثاني عليه لا يبطله, وهذا ضعيف فإنه لم يكن مقصوداً لذاته وإنما جعله وسيلة إلى الربا.
إذا كانت النية مبيتة عند العقد الأول فهو باطل, إذا كانت نية بيع العينة عند العقد الأول فهو باطل, لكن إن طرأت بعد تمامه فلا أثر لها على العقد الأول, إذا اشترى من صاحب السلعة سلعته بأجل بثمن مرتفع على أن يشتريه منه فالعقدان كلاهما باطل, لكن إن اشترى ثم بعد ذلك طرأ له أن يبيع عليه العقد الأول صحيح، نعم.