قال مالك -رحمه الله-: "ومما يشبه ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع المزابنة، وأرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر" النهي عن بيع المزابنة في الصحيحين وغيرهما، والمزابنة جاء تفسيرها بأنها: بيع التمر على رؤوس النخل بالتمر الذي هو على وجه الأرض, هذا رطب وهذا يابس, هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه إذا يبس التمر إذا جف نقص, أينقص الرطب إذا جف؟ قال: نعم, قال:((فلا إذاً)) هذا منهي عنه لتحقق عدم المساواة, تحقق التفاضل, هذا منهي عنه؛ لأنه ربا, إلا العرايا جاء الاستثناء فيها, العرايا, يقول -رحمه الله تعالى-: "ومما يشبه ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزابنة، وأرخص في بيع العرايا" عرفنا المزابنة، وأنها مأخوذة من الزبن وهو الدفع, كل واحد يدفع صاحبه إما من أجل أن يبيع، أو من أجل أن لا يرجع في بيعه, وأرخص في بيع العرايا, العرايا هي مستثناة من المزابنة, فهي بيع التمر على رؤوس النخل بتمر جاف على الأرض مع عدم التحقق من المساواة, بل مع التفاضل؛ لأنه لا يشترط فيها المساواة التي تشترط في البيع العادي, خمسة أوسق بخمسة أوسق, تكون بالخرص بالتقدير بالتقريب، وإنما رخص فيها دفعاً لحاجة المسكين الفقير الذي يحتاج إلى تمر رطب يأكله مع الناس، وليس لديه ما يشتري به, ولو باع تمره الذي عنده في البيت من العام الماضي ما جاب له شيء, يتضرر، وقد يكون صاحب البستان محتاج لمثل هذا التمر؛ لأن بعض الناس يفضل التمر الكنيز على التمر الطري الرطب, فتكون حاجة الفقير مندفعة بهذا, وجوازه على خلاف الأصل إلا أنه صحت به الأدلة, فلا كلام لأحد فيه, مع عدم تحقق المماثلة, وقد يقول قائل: لماذا لا يقال لهذا الفقير .... ؛ لأن المسألة مسألة ربا, الأصل فيها أنها ربا, والربا أمره عظيم، وشأنه خطير, فإذا دفعت حاجة الفقير وبالإمكان دفعها بغير هذه الصورة، وضرره أيضاً ليس بمنزلة الضرورات التي لا تقوم الحياة إلا بها, فهي حاجة فهل يباح الربا للحاجة كما احتاج هذا الفقير؟ الآن العرايا فيها ربا؛ لعدم تحقق المساواة, أبيحت للحاجة فهل نقول: إن كل حاجة تبيح الربا؟ لا.