"قال مالك: ومن باع طعاماً جزافاً، ولم يستثن منه شيئاً ثم بدا له أن يشتري منه شيئاً، فإنه لا يصلح له أن يشتري منه شيئاً إلا ما كان يجوز له أن يستثنى منه" يعني في الاستثناء الغالب والأكثر, يعني مسائل الاستثناء تدخل في كثير من الأبواب أبواب الفقه, وأكثر ما تذكر في الإقرار, إذا قال له: علي ألف إلا مائة, له علي مائة إلا خمسمائة, له علي ألف إلا تسعمائة, ما الذي يجوز من هذه الصور؟ الأقل ما فيها إشكال, الخمسمائة النصف؟ إذا استثنى أكثر من الثلث, من أهل العلم من يقول: الحكم للغالب، فإن استثنى أكثر من النصف لم يصح فتلزمه المائة كاملة, الآن يلزمه الألف كامل, إن استثنى أقل من النصف فيجوز, ومنهم من يقول: له ما يستثني, لو يقول: له علي ألف إلا تسعمائة وتسعة وتسعين, لم يثبت له إلا ريال واحد, لكن لا شك أن مثل هذا في لغة العرب عبث.
"ثم بدأ له أن يشتري منه شيئاً فإنه لا يصلح أن يشتري منه شيئاً إلا ما كان يجوز له أن يستثني، وذلك الثلث فما دونه، فإن زاد على الثلث صار ذلك إلى المزابنة والى ما يكره" يعني يمنع "فلا ينبغي" يعني لا يجوز "له أن يشتري منه شيئاً إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه" يعني قبل أن يقبضه ويحوزه إلى رحله، ويستقر ملكه عليه, إذا استقر ملكه عليه فإنه يجوز له أن يبيعه عليه، أو على غيره "ولا يجوز له أن يستثني منه إلا الثلث فما دونه" ومراده في هذا الكلام الأخير زيادة الإيضاح والبيان "وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا" يعني في بلدهم المدينة، وعند علماء المدينة، وحاصله أن ما جاز أن يستثنى جاز أن يشترى, وهو الثلث فأقل عنده, والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.