ثم بعد هذا قال:"وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مضطجعة نائمة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد" وفيه جواز ذلك لمن أمن من الوقوع في المحرم "وأنها وثبت وثبة شديدة" قفزت خوفاً من وصول شيء من الأذى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو تقذرت نفسها، ورأت أن ظرفها لا يناسب مضاجعة النبي -عليه الصلاة والسلام- "وثبت وثبة شديدة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك؟ )) " أي أيُ شيء حدث لك؟ ((لعلك نفست)) بفتح النون وكسر الفاء، أي حضتِ، وأما الولادة فبضم النون، يعني نُفست، وقال الأصمعي وغيره: بالوجهين فيهما، في الولادة والحيض، نَفستِ ونُفستِ.
وأصل النفاس خروج الدم الذي هو يسمى نفس، نعم تسيل النفوس، يعني تسيل الدماء، ومنه قول الفقهاء: ما لا نفس له سائلة، يعني لا دم له سائل.
((لعلك نفست)) يعني الحيضة، وهذا تفسير من بعض الرواة "فقالت: نعم" نفستُ، يعني حضتُ "قال: ((شدي على نفسك إزارك، ثم عودي إلى مضجعك)) " شدي على نفسك أزارك؛ لئلا تلوث الفراش، وتلوث الضجيع، ثم عودي إلى موضع النوم والضجوع.
يقول ابن عبد البر: لم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث، ولا أعلم أنه روي بهذا اللفظ من حديث عائشة ألبتة، ويتصل معناه من حديث أم سلمة، نعم القصة حصلت لأم سلمة، كما في الصحيحين وغيرهما، في الصحيحين وغيرهما أن أم سلمة نُفست أو نَفست حاضت، وهي مضطجعة معه -عليه الصلاة والسلام- فانسلت، المقصود أن القصة حصلت لأم سلمة، وهنا عن عائشة، والخبر مرسل، ولا يضر الإرسال عند مالك وأبي حنيفة، ويضر عند غيرهم.
والحديث فيه جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد، فما جاء في ديننا وسط بين ما كان عليه اليهود والنصارى، فاليهود لا يضاجعونها ولا يساكنونها ولا يجالسونها، والنصارى يباشرونها في موضع الحرث، وديننا منع موضع الأذى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(٢٢٢) سورة البقرة] يعني قذر، الحائض ممنوعة من الصلاة والصيام على ما سيأتي؛ لما تلبست به من هذا الأذى، ومقتضى منعها، والحيضة ليست بيدها كما هو معلوم.