والعطية والنحلة والحكم واحد، والاعتصار: أخذ الشيء بعد إعطائه إياه، يعطيه الصدقة ثم يرجع فيها، يعطيه العطية ثم يرجع فيها، وفي الغالب أن هذا اللفظ الذي هو الاعتصار إنما يكون عند الضيق، والرجوع يكون في حال السعة، الاعتصار في الصدقة "قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا" الذي في المدينة، وعليه عمل أهل المدينة "الذي لا اختلاف فيه" ما وجد من يخالف فيه من أهل المدينة "أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن" لابد من قبضها، لا تثبت إلا بالقبض، ولذا لو أن إنساناً قال لآخر: إذا وصل الراتب أو طلع الراتب أعطيك منه خمسمائة أو ألف، وعده بهذا، أو جاءه فقير قال: انتظر حتى يأتي الراتب، ثم جاءه في الموعد، قال: والله ما عندنا شيء انتهى، هذا مجرد وعد، ولا يلزمه إلا إذا كان في نيته الإخلاف من الأصل، دخل في ((وإذا وعد أخلف)) أو اقترن ذلك بالعهد عاهد الله -جل وعلا- لئن آتاه الله كذا ليصدقن، عاهد الله إذا طلع الراتب ليصدقن، فإن اقترن بالعهد كان الأمر أشد، وتمام الآية يدل على لزوم مثل هذا الوعد المقرون بالعهد.
"أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن" لأنه إذا لم يقبض فإنه لا يلزم كما في خبر أبي بكر مع عائشة -رضي الله عنه- "أو كان في حجر أبيه فأشهد له على صدقته" لأنه ما دام في الحجر فإنه لا يعتبر قبضه، وإنما يقبض عنه وليه في المال، وإذا أشهد الأب فكأنه قبض، وهو وليه في المال، كأنه قبض، فالمسألة تعود إلى الأولى، فيكون هذا الطفل الذي في حجر أبيه قد قبض حكماً "فليس له أن يعتصر شيئاً من ذلك" ليس له أن يرجع أو يحبس شيئاً من ذلك عمن تصدق به عليه "لأنه لا يرجع في شيء من الصدقة" الرجوع في الصدقة بعد القبض لا يجوز بحال، وهي وبابها أضيق من الهدية والهبة؛ لأنها إنما أخرجت لوجه الله تعالى.