"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: أحسن ما سمعت في وصية الحامل، وفي قضاياها في مالها، وما يجوز لها أن الحامل كالمريض، فإذا كان المرض الخفيف" يعني إذا وجد المرض الخفيف - (كان) هنا تامة- غير المخوف على صاحبه، فإن صاحبه يصنع في ماله ما شاء، كالسليم الصحيح السالم العاري من المرض، يتصرف فيه كيفما شاء، شريطة أن يكون حراً مكلفاً رشيداً، وإذا كان المرض المخوف عليه لم يجز لصاحبه شيء إلا في ثلثه، مريض مرض مخوف، الغالب فيه العطب، فإن هذا لا يتصرف إلا في الثلث؛ لأن الاحتمال قائم أن تصرفه في ماله في أكثر من الثلث أنه يقصد به حرمان الورثة، ولو عري عن هذا القصد إلا أن المال تبعاً لغلبة الظن ليس له، هو ما زال يملكه، لكن ملكه في حكم المنتقل؛ لأن موته غلبة ظن، بخلاف ما لو كان المرض خفيفاً.
قال:"وكذلك المرأة الحامل أول حملها بشر وسرور، وليس بمرض ولا خوف؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [(٧١) سورة هود] " بشر وسرور يعني ما هو مخوف في أول الأمر، امرأة طبيعية، تزاول من الأعمال ما يزاوله غيرها بشر وسرور، {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ} [(٧١) سورة هود] وليس بمرض فضلاً عن أن يكون مخوفاً، لكن إذا أثقلت وقربت الولادة، وأقعدها الحمل عن العمل، فإنه يكون حكمها حكم المرضى.
وقال:{حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} [(١٨٩) سورة الأعراف] والضمير عند أكثر المفسرين يعود إلى آدم وحوى، وبعضهم ينزع إلى أن المراد به جنس الإنسان.