بزواله عقله يختلف عما إذا زال عقله من غير تسبب، وإذا دلت القرائن على أنه إنما شرب ليرتكب هذا المنكر، هذا لا بد أن يؤاخذ به، بلا شك، وإن كان شرب هذه الخمرة التي هي أم الخبائث، ثم بعد ذلك طرأ له بعد زوال عقله ما يقتل به نفساً معصومة، مثل هذا هو محل الاجتهاد.
"قال يحيى: قال مالك: أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله -تبارك وتعالى-: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [(١٧٨) سورة البقرة] فهؤلاء الذكور {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [(١٧٨) سورة البقرة] أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور" يعني مثل المرأة إذا قتلت قتل عمد فإنها تُقتل بمن قتلت، ولا يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن قتل النساء والذرية، إنما هذا في الحرب، نعم.
"والمرأة الحرة تقتل كما يقتل الحر بالحر، والأمة تقتل بالأمة" يعني التكافؤ لا إشكال، عند التكافؤ بين القاتل والمقتول لا إشكال "كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال" يعني في النفس والطرف "والقصاص أيضاً يكون بين الرجال والنساء" وفي الآية السابقة: {وَالأُنثَى بِالأُنثَى}{الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [(١٧٨) سورة البقرة] يعني الرجل الحر بالرجل الحر {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} فماذا عن الرجل بالأنثى والأنثى بالرجل؟ هل نقول: ما فيه تكافؤ فلا قصاص؟ أو نقول: فيه تكافؤ لما جاء عن الله -تبارك وتعالى- في كتابه؟ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [(٤٥) سورة المائدة] والمرأة نفس، والرجل نفس {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(٤٥) سورة المائدة] ولم يميز في هذا بين الذكور والنساء؛ لأنها كلها نفس، نعم ميز بينهما في الدية، فهل يميز بينهما في القصاص؟ الجمهور على أن المرأة تقتل بالرجل، والرجل يقتل بالمرأة، فذكر الله -تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه.