ومقتضى ذلك أن يتورع عما فيه شبهة، فالأحرى والأجدر أن يتوقف المسلم ولا يدخل جوفه إلا ما يعرف حله، هذا الأحوط، وكل على مذهبه من أهل العلم، إذا عرفنا حل هذا اللحم، لحم الإبل أو الغنم أو البقر أو غيرها مما أباحه الله -جل وعلا-، نقول: هو من الطيبات، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(١٥٧) سورة الأعراف] فأكله مباح، هذا هو الأصل، لكن قد يكون هذا المباح إذا اعتاده الإنسان وعود جسمه عليه فإنه حينئذٍ لا يستطيع مفارقته، ولذا يقول جمع من سلف هذه الأمة: تركنا تسعة أعشار الحلال خشية أن نقع في الحرام؛ لأن النفس إذا تعودت على الشيء وقرمت عليه، وصار فيها شيء من الإدمان على شيء من الأشياء فإنه يصعب فطامها عنه، وقد لا يتيسر في كل وقت، فقد يحتاج إليه الإنسان فيبحث عنه عن طريق الحلال فلا يجد، قد يجده في طريقٍ ملتوٍ فيه شيء من الشبهة فيقدم عليه؛ لأن نفسه تتوق إليه، وتنازعه فيه، وقد يزيد توقانه وقرمه إليه، فيسعى للحصول إليه، ولو بطريق محرم، فهم يتركون الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، والكلام في الشبهات معروف.
واللحم من الأشياء، مما أباحه الله -جل وعلا-، مما يكون له ضراوة، بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونه، والآن وقد وسع الله على المسلمين -ولله الحمد والمنة- تجد البيت إذا لم يكن فيه لحم ما طبخوا لا غداء ولا عشاء، ويش نطبخ على ماء؟ عندهم كل شيء إلا اللحم، ما يمكن أن يقدم الطعام بدون لحم، وإذا جاء صاحب البيت من عمله، من دوامه، من تعليمه، من تجارته إلى البيت، وقال: أين الغداء؟ قالوا: والله ما عندنا شيء اليوم، إيش ما عندكم؟ ما عندكم رز؟ ما عندكم خضار؟ قالوا: لا، ما عندنا لحم، قد يمكن أن يقدم غداء بدون لحم ما يمكن، هذا شيء اعتاده الناس، اللحم له ضراوة، وعلى المسلم أن يعود نفسه على التكيف على مثل هذه الظروف؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم له الحياة على حال، لا تتغير ولا تتبدل، فإذا تغيرت عنده الحال شق عليه ذلك مشقة عظيمة.