قال:"وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم)) " فهو أشدهم هلاكاً، يعني بعض الناس مغرم بالتشكي، ولا ينظر إلى الواقع إلا بعين واحدة، ينظر إلى المساوئ فقط، ويدب إليه اليأس، فتجده دائماً ينذر الناس ويحذرهم، ويقول: الناس هلكوا خلاص ما عاد فيهم خير، وبالمقابل بعض الناس لا ينظر إلا بالعين الأخرى، فلا ينظر إلا إلى المحاسن، ولا ينظر إلى شيء من المساوئ، فهو يطمئن الناس، لكنه مع ذلك لا بد من التوسط، لا بد من النظر بالعينين كلتيهما، لا ينظر إلى المساوئ فقط، ويؤيس الناس، ويقنط الناس، ولا ينظر إلى المحاسن فقط، فيجعل الناس يأمنون من مكر الله، ولا يتوبون، ولا يثوبون، ولا يرجعون، عليه أن بين هذا وهذا، عليه أن ينظر إلى المحاسن وإلى المساوئ، إلى المحاسن فيشيد بها ويذكرها، ويشجع أهلها، وإلى المساوئ فيحذر منها، ولا يتم الأمر إلا بها؛ لأنه ليس من الإنصاف أن تنظر إلى المساوئ فقط، ولا تذكر إلا المساوئ، وأيضاً ليس من النصح لا للراعي ولا للرعية، ألا ينظر إلا إلى المحاسن؛ لأنه إذا لم ينظر إلى المساوئ متى يرعوي الناس؟ متى يرتدعون؟ إذا طمئنوا، إذا أمنوا من مكر الله، قد يؤخذون على غرة وهم لا يشعرون، وكل من الأمن من مكر الله، واليأس والقنوط من رحمة الله من عظائم الأمور -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا بد من التوسط ينظر إلى المساوئ لتعالج، وينظر إلى المحاسن ليشجع فاعلها، ويقتدى به.
((فهو أهلكهم)) يعني أشدهم هلاكاً، بعض الروايات يضبط ((أهلكَهم)) هو الذي أهلكهم، يعني هو الذي سعى في هلاكهم، حيث أيسهم وقنطهم.