للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغضب معروف لا يحتاج إلى بيان، وبيانه كبيان الماء، الغضب خروج النفس عن حد الاعتدال بسبب المثير، والغضب غريزة موجودة عند الناس، لكنهم يتفاوتون فيها، فمن الناس من يثور لأدنى سبب، ومن الناس من يثور لغير سبب، ومنهم من لا يثور، ومنهم من يغلي قلبه بالغضب لأتفه الأسباب، ومنهم الحليم الذي اتصف بالحلم والأناة، كالأحنف، وممن وصف بذلك معن بن زائدة المشهور، حصل رهان بين اثنين إن أغضبه فله كذا وكذا من الإبل، فجاء إليه وسبه بأبشع أنواع الهجاء والذم بالشعر المحفوظ إلى اليوم، ومع ذلك يعرض عنه إلى أن أيس من إغضابه، وهذه منة ونعمة، لكن هناك مواقف لا بد فيها من الغضب لا سيما إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-.

ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

لا سيما بعض الناس إذا ما تعومل معه معاملة تردعه عن بعض تصرفاته يسترسل، فمثل هذا لا بد أن يكف، ولا شك أن الغضب غريزة، ويزيد مع عدم الكف، وعدم خزم النفس، والحلم بالتحلم، يعني مع الوقت تجده يتصف بهذا الخلق، وإن لم يكن متصفاً به قبل ذلك، كما أن العلم بالتعلم، كذلك الحلم بالتحلم، والفقه بالتفقه.

"أن رجلاً أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن" كلمات "ولا تكثر علي فأنسى" مثل الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأرشدني" هنا: "علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي فأنسى" يعني لو علمه حديثاًَ طويلاً يشتمل على جمل كثيرة يمكن ينسى بعضه، لا سيما وقد عرف من نفسه ضعف الحافظة.