بخلاف الكثير الشاق، يقول النووي: بدوام العمل القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله -جل وعلا-، بخلاف الكثير الشاق، بحيث ينمو العمل القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنقطع، يعني لو ضربنا مثال بحفظ القرآن، شخص يقول: أريد أن أحفظ في هذا اليوم جزء كامل وأرتاح عشرة أيام، وآخر يريد أن يحفظ هذا الجزء في العشرة الأيام كل يوم ورقة، أيهم أفضل؟ هذا الذي يريد أن يحفظ خلال العشرة الأيام يكرر النظر في عهد الله وفي كتابه، ويحمله ذلك على الارتباط بهذا الكتاب، لكن الذي يجلس يوم ويحفظ جزء، ثم عشرة أيام يغفل، أولاً: مكثه الساعات الطوال لحفظ الجزء في يومٍ في وقتٍ ينضغط فيه لا شك أن هذا يولد كراهية لهذا العمل؛ لأنه حمل على نفسه أمر ثقيل، فيمل ويسأم ويترك، بينما الذي يأخذ الأمر بالتوقيت والتدريج مثل هذا يستمر ولا ينقطع.
يقول: بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة، يقول ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، إيش معنى هذا؟ كأنه بلسان حاله هذا الذي يقول: أنا أحفظ جزء في يوم وأرتاح عشرة أيام وإن لم يقل بلسان مقاله، يقول: دعنا نرتاح من ها الجزء ونتفرغ عشرة أيام لأمورنا الأخرى، هذا أقبل ثم أدبر، لكن الذي عمله دؤوب، كل يوم يحفظ ورقة بالراحة مثل هذا عمله متواصل لا ينقطع، فالتارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آيةً ثم نسيها، وإن كان قبل الحفظ لا يتعين عليه.