للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله وسُنَّته، وفعلهم معصية؛ لأن النبي لما مرّ بهذه الديار أسرع وقنع رأسه حتى جاوز الوادي وقطع، وخرج من ذلك الموضع، تحذيرًا من أن يدخل المسلم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم والذين أهلكهم الله في هذه الأرض خوفًا أن يصيب الإنسان ما أصابهم من عذاب الله إما بكفره بالله ﷿ حتى يستحق هذا العذاب، وإما بعقوبة يعاقب بها، وإن لم يكفر (١).

وأما الآيات التي جاء فيها الأمر بالنظر في آثار الأمم الهالكة والتفكّر في مآلها؛ كقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ *﴾ [الأنعام]، وقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ *﴾ [الروم].

فليس المراد منها إنشاء السير بالأبدان إلى ديار المعذبين؛ لأن هذا المراد معارض لقول النبي : «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُول ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» (٢).

فالاستدلال الصحيح المراد به في هذه الآيات أنّ:

١ الخطاب في الآيات موجه للمكذبين من كفار قريش الذين سبق وأن رأوا من قبل ديار المعذبين، الذين أهلكهم الله ، في سفر سابق، كما جاء في تفسير إمام المفسرين ابن جرير الطبري على قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ (٣):

أ قال في تفسير الآية التي في سورة فاطر: أولم يسر يا محمد هؤلاء المشركون بالله في الأرض التي أهلكنا أهلها بكفرهم بنا وتكذيبهم


(١) المفاتيح في شرح المصابيح، للمُظْهِري (٥/ ٢٥٩)، شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (٤/ ٥٧٨) بتصرف.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (٢/ ٦٠/ ح ١١٨٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (٤/ ١٢٦/ ح ١٣٩٧).
(٣) هذه الآية وردت في ثلاث مواضع من القرآن في سورة: الروم: (٩)، فاطر (٤٤)، غافر (٢١).

<<  <   >  >>