للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا يدل على أن أناسًا يأتون بعد النبي لا يدفعون عن أنفسهم العذاب؛ لمخالفتهم الصفة التي أرشد الله إليها الرسول عند المرور من مساكن المعذبين، حيث جعلوا مساكنهم ساحات للهو والغفلة والمتعة والأكل والشرب، ولم يتعظوا من حال أهل الديار التي هم فيها يسيحون (١).

٢ قال النبي : «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ» (٢).

الشاهد من الحديث «ومبتغ في الإسلام سُنَّة الجاهلية»: والمقصود بها: كل جاهلية مطلقة كانت أو مقيدة (٣).

وجه الاستدلال: أن إحياء ديار الأمم المعذبة بالزيارة، والإشادة بآثارها وتعظيمها، كل ذلك إن لم يكن القصد منه عبادتها، كان من ابتغاء سُنَّة جاهلية في الإسلام، فكان صاحبه من أبغض الناس عند الله تعالى (٤).

والزائرون لمواضع الهلاك على خطر عظيم؛ لأن الزائر إذا دخل على ديار المعذبين؛ للمشاهدة والسياحة والنزهة قلبه يكون قاسيًا غير خاشع أثناء مشاهدته لآثار العذاب، وحينئذٍ يصيبه دون أن يشعر ما أصابهم من التكذيب والتولي (٥).

وإن الذين يذهبون إلى ديار المعذبين ويقصدونها؛ للفرجة، والتنزه، ويبقون فيها أوقاتًا طويلة ينظرون في آثارهم القديمة، مخالفون لهدي


(١) يُنظر: أحكام السياحة وآثارها، لهاشم ناقور (٢٣٤).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من طلب دم امرئ بغير حق (٩/ ٦/ ح ٦٨٨٢).
(٣) يُنظر: فضل الإسلام، لمحمد بن عبد الوهاب (٦).
(٤) يُنظر: الآثار والمشاهد، لعبد العزيز الجفير (١٩٤)، أحكام الزيارة في الفقه الإسلامي، لمحمد عبد الرحيم (٤٢٠).
(٥) يُنظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (٧/ ٣١٥).

<<  <   >  >>