للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا فإن آثار الأمم الهالكة ومواضع العذاب لا تُدخل زيارة، ولا يُنشاء السير إليها بالأبدان إلا أن تكون في طريق، وإن قصد ديار المعذبين لغير حاجة، منهي عنه، حتى لو كان الزائر يقصدها ويُنشاء السير لها للاعتبار والاتعاظ، ولو كان ذلك مشروعًا لأمر به النبي كما أمر بزيارة القبور؛ للتذكير بالآخرة، ولم يقل يومًا لأمته زوروا مواضع هلاك عاد وثمود وغيرهم من المعذبين.

حكم إنشاء السير بالأبدان لديار المعذبين لقصد الاطلاع والمشاهدة:

الفاحص لأقوال الأئمة يجدهم متفقين على تحريم دخول ديار المعذبين وقصدها بالزيارة للاطلاع والمشاهدة (١)؛ لثبوت الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفًا فيمن صادف ديار المعذبين في طريقه مارًا بها ولم يقصدها، فضلاً عن زيارتها وإنشاء السير لها؛ لقصد المشاهدة والاطلاع، فهو داخلٌ في النهي من باب أولى، وكذلك من جملة تلك الأدلة الدالة على النهي:

١ قال : «عَلَامَ تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ قَدْ غَضِبَ اللهُ ﷿ عَلَيْهِمْ؟!»

فَنَادَاهُ رَجُلٌ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ .

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ، رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُخْبِرُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا، وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللهَ ﷿ لا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ لا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا» (٢).


(١) يُنظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، لأحمد الطحطاوي الحنفي (٣٥٧)، مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، للحطاب الرُّعيني المالكي (١/ ٥٠ - ٥١)، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لشهاب الدين النفراوي المالكي (١/ ١٢٣)، المجموع شرح المهذب، للنووي الشافعي (١/ ٩١ - ٩٢)، المغني، لابن قدامة المقدسي الحنبلي (١/ ٤٠٧)، شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ٥٠٨)، أبحاث كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (٣/ ٦٩).
(٢) أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين ، حديث أبي كبشة الأنماري (٧/ ٤٠٧٩/ ح ١٨٣١٤ - ١٨٣١٥)، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب المغازي، ما حفظ أبو بكر في غزوة تبوك (٢٠/ ٥٥٢/ ح ٣٨١٦٧)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله في دخول المواضع التي قد غضب الله ﷿ على أهلها من نهي ومن إباحة (٩/ ٣٦٢/ ح ٣٧٤١)، والطبراني في الكبير مسند من يعرف بالكنى، أبو كبشة الأنماري (٢٢/ ٣٤٠/ ح ٨٥١ - ٨٥٢)، فهذا الحديث روي من طريق محمد بن أبي كبشة الأنماري أنمار غطفان عن أبي كبشة المذحجي، قال ابن كثير في البداية والنهاية (٥/ ١٤): إسناده حسن ولم يخرجوه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ٢٩٠ - ٢٩١): رواه الطبراني وأحمد بأسانيد أحدها حسن.

<<  <   >  >>