للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأجل ذلك حرِص النبي على سؤال الرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة (١): «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟».

قالوا: لا، قال: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟». قالوا: لا،

قال: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابن آدَمَ» (٢)، هذا أمر منه بمخالفتهم بقوله.

٥ أما بفعله فقد روي عنه أنه لما كان في الحج وأتى بطن محسّر (٣) أسرع وحرّك راحلته (٤)، وقد علّل بعض العلماء إسراع النبي في عبور وادي محسر؛ بأن أهل الجاهلية كانوا يقفون على هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم (٥).

٦ تحذير النبي ونهيه عن التشبه باليهود والنصارى، كما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي يقول: خرجنا مع رسول الله بِحُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَمَرَرْنَا عَلَى شَجَرَةٍ يَضَعُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ،

فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ!

فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِمُوسَى : ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِنَّكُمْ سَتَرْكَبُونَ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (٦).

وأيضًا يدل الحديث على أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي طلبتهم كطلبة بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى


(١) بوانة: موضع بين الشام وبين ديار بني عامر [قريب من رابغ]. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، للبكري (١/ ٢٨٣).
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من وفاء النذر (٣/ ٢٣٦/ ح ٣٣١٣)، صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ومشكاة المصابيح (٢/ ١٠٢٤/ ح ٣٤٣٧).
(٣) وادي محسر: وادي معترض بين منى ومزدلفة. يُنظر: رحلة ابن جبير (١٥٠).
(٤) يُنظر: إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي (٤/ ٣٨/ ح ١٢١٨).
(٥) يقول الشيخ العلامة محمد العثيمين : ولعل هذا أقرب التعاليل. يُنظر: الشرح الممتع (٧/ ٣١٦).
(٦) سبق تخريجه راجع فضلاً (١٠٨).

<<  <   >  >>