للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[حادثة الإفك]]

ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه عائشة وأبطأَ الوحي، وطال الأمر والناس يخوضون، حتى بلغت القلوب الحناجر، وهو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ واحتراس: «إني لا أعلم عنها إلا خيرًا» (١)، ثم إنه بعد أن بذل جهده في التحري والسؤال واستشارة الأصحاب، ومضى شهر بأكمله والكل يقولون: ما علمنا عليها من سوء، لم يزد على أن قال لها آخر الأمر: «يا عائشة، أما إنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله» (٢).

هذا كلامه بوحي ضميره، وهو كما ترى كلام البشر الذي لا يعلم الغيب، وكلام الصدِّيق المتثبت الذي لا يتبع الظن ولا يقول ما ليس له به علم، على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلنًا براءتها، ومصدرًا الحكم المبرم بشرفها وطهارتها، الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما.

فماذا كان يمنعه - لو أن أمر القرآن إليه - أن يتقول هذه الكلمة الحاسمة من قبل ليحمي بها عرضَه، ويذب بها عن عرينه، وينسبها إلى الوحي السماوي لتنقطع ألسنة المتخرصين؟

ولكنه ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٤] وما بعدها.

(٢)

[دلالة آيات العتاب على مصدرية القرآن] وأخرى كان يجيئه القولُ فيها على غير ما يحبه ويهواه، فيخطِّئه في الرأي يراه، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه، فإذا تلبث فيه يسيرًا تلقاه القرآن بالتعنيف


(١) رواه البخاري: (٢٦٦١)، ومسلم: (٢٧٧٠)، ولفظه: «فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرًا».
(٢) رواه البخاري: (٢٦٦١)، ومسلم: (٢٧٧٠).

<<  <   >  >>