للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشرية، بل لمانع خارجي هو حماية (١) القدرة العليا له، وصيانتها إياه عن معارضة المعارضين، ولو أزيل هذا المانع لجاء الناس بمثله (٢).

قلنا له: هذه الفروض كلها لا تنطبق على موضوعنا بحال.

[[تضافر الأسباب الباعثة على معارضة القرآن]]

أما الأول: فإنَّ الأسباب الباعثة على المعارضة كانت موفورة متضافرة، وأي شيء أقوى في استثارة حمية خصمك من ذلك التقريع البليغ المتكرر الذي توجهه إليه معلنًا فيه عجزه عن مضاهاة عملك؟ إنَّ هذا التحدي كافٍ وحده في إثارة حفيظة الجبان وإشعال همَّته للدفاع عن نفسه بما تبلغه طاقته، فكيف لو كان الذي تتحداه مجبولًا على الأنفة والحميَّة؟ وكيف لو كان العمل الذي تتحداه به هو صناعته التي بها يفاخر، والتي هو فيها المدرب الماهر؟ وكيف لو كنت مع ذلك ترميه بسفاهة الرأي وضلال الطريق؟ وكيف لو كنت تبتغي من وراء هذه الحرب الجدلية هدم عقائده، ومحو عوائده وقطع الصلة بين ماضيه ومستقبله؟

[[انشغال أهل الشرك بأمر محمد ورسالته]]

وأما الثاني: فإنَّ هذه الأسباب قد رأيناها آتت بالفعل ثمراتها، وأيقظت همم المعارضين إلى أبعد حدودها، حتى كان أمر محمد والقرآن هو شغلهم الشاغل، وهمهم الناصب، فلم يدعوا وسيلة من الوسائل لمقاومته باللطف أو بالعنف إلا استبطنوها وتذرَّعُوا بها: أيخادعونه عن دينه ليلين لهم ويركن قليلًا إلى دينهم (٣) أم يساومونه بالمال والملك ليكفَّ عن دعوته (٤)، أم يتواصون


(١) هذا هو القول بالصَّرفة، الذي اشتهر عن النظَّام من المعتزلة، وهو وإن كان اعترافًا في الجملة بصحة الإعجاز إلا أنه لا يقول به إلا أعجمي أو شبهه ممن لم يذق للبلاغة طعمًا، ولذلك لم يتابعه عليه تلميذه الجاحظ ولا أحد من علماء العربية، وهو يعد خلاف ما عرفه العرب من أنفسهم كما سنبينه.
(٢) انظر في مزيد من الرد على القول بالصرفة، كتاب: (القول بالصرفة)، د. عبد الرحمن الشهري، ط. دار المنهاج. (عمرو)
(٣) جاء رجال من قريش إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا له: يا محمد تعالَ تمسح بآلهتنا، أو ألم بآلهتنا، وندخل معك في دينك، فنزل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [سورة الإسراء: ٧٣] رواه ابن مردويه بسند جيد *.
* أورده السيوطي في الدر المنثور: (٥/ ٣١٨)، والإتقان: (١/ ١٢٠).
(٤) إيماء إلى القصة الطويلة التي نزل فيها قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الآيات من سورة الإسراء: ٩٠ فما فوقها] رواها ابن جرير بسند متصل فيه مبهم، ولها شاهد مرسل صحيح*.
* تفسير الطبري: (١٥/ ٨٧).

<<  <   >  >>