للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[هل في القرآن زائد؟!]]

دع عنك قول الذي يقول في بعض الكلمات القرآنية إنها (مقحَمة) وفي بعض حروفه إنها (زائدة) زيادة معنوية، ودع عنك قول الذي يستخف كلمة (التأكيد) فيرمي بها في كل موطن يظن فيه الزيادة، لا يبالي أن تكون تلك الزيادة فيها معنى المزيد عليه فتصلح لتأكيده أو لا تكون، ولا يبالي أن يكون بالموضع حاجة إلى هذا التأكيد أو لا حاجة له به.

أجل، دع عنك هذا وذاك، فإن الحكم في القرآن بهذا الضرب من الزيادة أو شبهها إنما هو ضرب من الجهل - مستورًا أو مكشوفًا - بدقة الميزان الذي وضع عليه أسلوب القرآن.

وخذ نفسك أنت بالغوص في طلب أسرارِه البيانية على ضوء هذا المصباح، فإن عمي عليك وجه الحكمة في كلمة منه أو حرف فإيَّاك أن تعجل كما يعجل هؤلاء الظَّانُّون؛ ولكن قل قولًا سديدًا هو أدنى إلى الأمانة والإنصاف، قل: (الله أعلم بأسرارِ كلامه، ولا علم لنا إلا بتعليمه)، ثم إيَّاك أن تركن إلى راحة اليأس فتقعد عن استجلاء تلك الأسرار قائلًا: أين أنا من فلان وفلان؟ .. كلَّا، فربَّ صغير مفضول قد فطن إلى ما لم يفطن له الكبير الفاضل.

ألا ترى إلى قصة ابن عمر في الأحجية المشهورة (١)؟ فجِدَّ في الطلب وقل: رب زدني علمًا، فعسى الله أن يفتح لك بابًا من الفهم تكشف به شيئًا مما عمي على غيرك، والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، ولنضرب لك مثلًا، قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١].

[البيان في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]]

(أكثر) أهل العلم قد ترادفت كلمتهم على زيادة الكاف بل على وجوب زيادتها في هذه الجملة، فرارًا من المُحال العقلي الذي يفضي إليه بقاؤها على


(١) عن عبد الله بن عمر، أنَّ رسول الله قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟ فقال رسول الله : «هي النخلة» قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: «لأن تكون قلتَها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا»، رواه البخاري: (١٣١).
قال الشيخ دراز: وفي القرآن ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ [الأنبياء: ٧٩].

<<  <   >  >>