للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن حدَّثته نفسه أن يعيد هذه التجربة مرة أخرى فلينظر في تلك العبر وليأخذ بأحسنها، ومن لم يستحِ فليصنع ما يشاء.

* * *

[عَجَزَ العرب عن الإتيان بمثل القرآن، وعَجْزُ غيرهم أولى]

٢ - وأما إن كان مدخل الشبهة عنده أنه رأى في الناس من هو أعلى منه كعبًا في هذه الصناعة، فقال في نفسه: (لئن لم أكن أنا من فرسانِ هذا الميدان، ولم يكن لي في معارضة القرآن يَدَان، لعل هذا الأمر يكون يسيرًا على من هو أفصح منِّي لسانًا وأسحر بيانًا) فمثل هذا نقول له: ارجع إلى أهل الذِّكر من أدباء عصرك فاسألهم هل يقدرون أن يأتوا بمثله؟ فإن قالوا لك: (لو نشاء لقلنا مثل هذا) فقل: (هاتوا برهانكم!) وإن قالوا: (لا طاقة لنا به) فقل: أيُّ شيء أكبر من العجز شهادة على الإعجاز؟

ثم ارجع إلى التاريخ فاسأله: ما بال القرون الأولى؟ ينبئك التاريخ أن أحدًا لم يرفع رأسه أمام القرآن في عصر من أعصاره، وأن بضعة النفر الذين أنغضوا رؤوسهم إليه باءوا بالخزي والهوان، وسحب الدهر على آثارهم ذيل النسيان.

أجل، لقَد سجَّل التاريخ هذا العجز على أهل اللغة أنفسهم في عصر نزول القرآن، وما أدراك ما عصر نزول القرآن؟ هو أزهى عصور البيان العربي، وأرقى أدوار التهذيب اللغوي، وهل بلغت المجامع اللغوية في أمة من الأمم ما بلغته الأمة العربية في ذلك العصر من العناية بلغتها، حتى أدركت هذه اللغة أشدَّها؛ وتم لهم بقدر الطاقة البشرية تهذيب كلماتها وأساليبها؟ .. وما هذه الجموع المحشودة في الصحراء، وما هذه المنابر المرفوعة هنا وهناك؟ إنها أسواق العرب

<<  <   >  >>