للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يبالي أن يتناول في بيانه جلائل الأمور أو محقراتها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة: ٢٦].

حقًّا؛ إن شأنَ هذا الكتاب في تفصيل الحقِّ والباطل والضَّار والنافع شأنُ كتاب الأعمال في تفصيل الحسنات والسيئات، كلاهما لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

وكما أن وصف القرآن بالهدى إجمالًا قد جر هناك إلى ذكر انقسام الناس في قبول هدايته، وإلى النَّعي على من أعرض عنه، كذلك وصف طريقته في الهداية قد جرَّ هاهنا إلى مثل هذا التقسيم: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦] وإلى النَّعي على الضالين بذكر مساوئهم وتفصيل نقائصهم ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦].

وكما أنَّ بيان أوصافهم هناك قد جلاهم أمام السامع في صورة تحرك داعيته لسماع ندائهم بالنصح والتعليم، كذلك بيان أوصافهم هنا قد استفز النفوس إلى سماع مخاطبتهم بالتعجيب والإنكار .. ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨] الآيات.

[[عودة الكلام إلى المقصد الأول]]

(٢) وكذلك عادَ الكلام إلى المقصد الأول بأركانِه الثلاثة، ولكن في ثوبٍ جديد:

(أما في الركن الأول) فقد سمعته هناك يأمر بعبادة الله، وتسمعه هنا ينهى عن الكفر بالله.

وهناك ذكرهم بنعمة إيجادهم مجملة، وهنا يذكرهم بها مفصلة متممة، وهناك عرفهم بنعمة تسخير الأرض والسماء لهم، وهنا يعرفهم بذلك في شيء من التفصيل.

(وأما في الركن الثاني) فقد ذكر هناك نبوة هذا النبي الخاتم وهنا يذكر نبوة ذلك النَّبي الأول آدم، لنعلم أن نبينا لم يكن بِدعًا من الرسل، وأن أمر التشريع والنبوات أمر قديم يتصل بنشأة الإنسان.

<<  <   >  >>