للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتبدو أهمية هذا النص في تحديده موقف المعتزلة من ثبوت النص القرآني على سبيل القطع واليقين، كما يقدم حجة قوية أمام الاتهامات التي طالتهم، بما نخلص من خلاله إلى أنهم لا يخرجون عن آراء بقية الأمة، وليس بينهم وبين أهل السُّنَّة خلاف يُذكر في هذه المسألة.

* * *

ثانيًا: موقف الأشاعرة من حجية القرآن وقطعية ثبوته.

[موقف الأشاعرة من حجية القرآن وقطعية ثبوته]

لا يحتاج الموقف الأشعري إلى مزيد إطالة في عرضه، أو التدليل عليه، فنصوص أئمة المذهب كثيرة ومتنوعة في هذا الصدد، وصلتهم بالدراسات القرآنية على اختلاف أنواعها - وخصوصًا التفسير - صلة بارزة، وواضحة للعِيَان، بدءًا من مؤسس المذهب أبي الحسن الأشعري (ت: ٣٢٤)، ومرورًا بالباقلاني (ت: ٤٠٣)، وابن فورك (ت: ٤٠٦)، إلى أن نصل إلى أساطين المذهب من المتأخرين.

وكثير من أئمة التفسير من المتأخرين على مذهب الأشاعرة في العقيدة، ومصنَّفاتهم محررة جامعة، ومختصرة نافعة.

ويحكي الأشعري (ت: ٣٢٤) إجماع سلف الأمة على التصديق بالقرآن، والإقرار بكل ما ورد فيه جملة وتفصيلًا، فقد «أجمعوا على التصديق بجميع ما جاء به رسول الله في كتاب الله … والإقرار بنص مشكله ومتشابهه، وردِّ كل ما لم يحط به علمًا بتفسيره إلى الله مع الإيمان بنصه» (١)، والقول الأمثل والمنهج المختار عنده هو التمسك بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وأقوال الصحابة والتابعين، وكتطبيق عملي لهذا المسلك النظري أورد الأشعري في كتابه «الإبانة» - مع صغر حجمه - ما لا يقل عن مائتين وخمسين آية، بحيث لا تكاد صفحة تخلو من ذكر آية أو أكثر، على عكس ما نراه في كتب المتكلمين من المتأخرين، والتي ربما مرت عشرات الصفحات ولا يُذكر فيها نص واحد، بل تقتصر على إيراد الحجج العقلية، وذكر الشبه، والرد عليها.


(١) رسالة إلى أهل الثغر: (٩٨)، وأصول الدين، لعبد القاهر: (٢٨٧).

<<  <   >  >>