وإنما يحدَّد الجزئي بالإشارة إليه حاضرًا في الحس، أو معهودًا في الذهن (١).
فإذا أردت تعريف القرآن تعريفًا تحديديًّا فلا سبيل لذلك إلا بأن تشير إليه مكتوبًا في المصحف أو مقروءًا باللسان، فتقول: هو ما بين هاتين الدفتين، أو تقول: هو ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ١ - ٢]، إلى: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس: ٦].
أمَّا ما ذكره العلماء من تعريفه بالأجناس والفصول كما تعرف الحقائق الكلية: فإنما أرادوا به تقريب معناه وتمييزه عن بعض ما عداه مما قد يشاركه في الاسم ولو توهمًا؛ ذلك أن سائر كتب الله تعالى والأحاديث القدسية وبعض الأحاديث النبوية تشارك القرآن في كونها وحيًا إلهيًّا، فربما ظن ظانٌّ أنها تشاركه في اسم القرآن أيضًا، فأرادوا بيان اختصاص الاسم به ببيان صفاته التي امتاز بها عن تلك الأنواع.
[[تعريف القرآن]]
فقالوا:«القرآن هو كلام الله تعالى، المنزَّل على محمد ﷺ، المتعبد بتلاوته».
[[شرح التعريف]]
(فالكلام) جنس شامل لكل كلام، وإضافته إلى (الله) تميِّزه عن كلام من سواه من الإنس والجن والملائكة.
و (المنزَّل) مخرجٌ للكلام الإلهي الذي استأثر الله به في نفسه، أو ألقاه إلى ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر؛ إذ ليس كل كلامه تعالى منزلًا، بل الذي أنزل منه قليل من كثير ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: ١٠٩]، ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لقمان: ٢٧].
(١) مقصود الشيخ ﵀ في هذه الفقرة: أنَّه لا يمكن تعريف القرآن بالتعاريف المنطقية، لأنه جزئي حقيقي، والجزئيات الحقيقة تعرَّف بالإشارة إليها، وأنَّ ما ذكره العلماء من تعاريف للقرآن، فإنما هي تعاريف تقريبية لتمييزه عن الأحاديث القدسية، والأحاديث النبوية. (عمرو)