للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل ما لم تمهد له هذه الوسائل والمقدمات لا يمكن أن تناله يد العقل بحال، وإنما سبيله الإلهام، أو النقل عمن جاءه ذلك الإلهام.

فهل ما في القرآن من المعاني غير التاريخية كانت حاضرة الوسائل والمقدمات في نظر العقل؟

ذلك ما سيأتيك نبؤه بعد حين، ولكننا نعجل لك الآن بمثالين من تلك المعاني نكتفي بذكرهما هنا عن إعادتهما بعد:

(أحدهما) قسم العقائد الدينية.

(والثاني) قسم النبوءات الغيبية.

[[الغيب، ودلالته على مصدرية القرآن]]

فأمَّا أمر الدين فإن غاية ما يجتنيه العقل من ثمرات بحثه المستقل فيه، بعد معاونة الفطر السليمة له، هو أن يعلم أن فوق هذا العالم إلهًا قاهرًا دبره، وأنه لم يخلقه باطلًا، بل وضعه على مقتضى الحكمة والعدالة، فلا بد أن يعيده كرة أخرى؛ لينال كل عامل جزاء عمله؛ إن خيرًا وإن شرًّا.

هذا هو كل ما يناله العقل الكامل من أمر الدين، ولكن القرآن لا يقف في جانبه عند هذه المرحلة، بل نراه يشرح لنا حدود الإيمان مفصلة، ويصف لنا بدء الخلق ونهايته، ويصف الجنة وأنواع نعيمها، والنار وألوان عذابها، كأنهما رأي عين، حتى إنه ليحصي عدة الأبواب، وعدة الملائكة الموكلة بتلك الأبواب، فعلى أي نظرية عقلية بنيت هذه المعلومات الحسابية، وتلك الأوصاف التحديدية؟ إن ذلك ما لا يوحي به العقل ألبتة، بل هو إما باطل فيكون من وحي الخيال والتخمين، وإما حق فلا ينال إلا بالتعليم والتلقين، لكنه الحق الذي شهدت به الكتب واستيقنه أهلها ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر: ٣١]، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢]، ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص: ٦٩]، ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ٣٧].

<<  <   >  >>